الاثنين، 13 أغسطس 2012

عقيدة المهدي بين السنة والشيعة

عقيدة المهدي بين السنة والشيعة


   


اختلف الناس في المهدي اختلافاً كبيراً، ففي الحيز الإسلامي ادعت بعض الفرق أن لها مهديها الخاص بها، وأن ما تعقده باقي الفرق باطل لا أصل له.. ففي حين ذهب السنة إلى القول بأن المهدي هو رجل من أهل بيت النبي يوافق اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، ذهب الشيعة إلى قول آخر يخالف هذا القول تمام الاختلاف، وذكرت فرق أخرى غير هذا، ثم رأينا أن لليهود مهديهم (الدجال)، وادعى النصارى أن عيسى عليه السلام هو المهدي المنتظر، وأصبحنا نرى أن لكل ديانة وملة، بل ولكل فرقة مهديها الخاص الذي تنتظره وترجوه، ليمنحها الخلاص، ولينقذها مما هي فيه، وخلال هذا التقرير سنصلت الضوء على الفرق بين كل من مهدي السنة ومهدي الشيعة.
مجمل الأقوال في المهدي(1):
قال الإمام ابن القيم: "قد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال:
أحدها: أنه المسيح ابن مريم.
القول الثاني: أنه المهدي الذي ولي من بني العباس, وقد انتهى زمانه.
القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان, وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلاً, وأكثر الأحاديث على هذا تدل"، [وهو القول الصحيح والمعتقد الثابت عند أهل السنة والجماعة].
ثم قال الإمام تعقيباً على هذا الرأي: "وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف, وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله، فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض, وهذه سنة الله في عباده أنه من ترك لأجله شيئاً أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه، وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه، فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها, والله أعلم".
وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو: أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار الذي يورث العصا, ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمس مئة سنة؛ فلم تره بعد ذلك عين, ولم يحس فيه بخبر ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب, ويصيحون به أن يخرج إليهم أخرج يا مولانا.. ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه، ولقد أحسن من قال:
ما آن للسرداب أن يلد الذي *** كلمتموه بجهلكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم *** ثلثتم العنقاء والغيلانـا
ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم، وضحكة يسخر منها كل عاقل.
أما مهدي المغاربة محمد بن تومرت: فإنه رجل كذاب ظالم متغلب بالباطل ملك بالظلم والتغلب والتحيل، فقتل النفوس وأباح حريم المسلمين وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم، وكان شراً على الملة من الحجاج بن يوسف بكثير.
ثم خرج المهدي الملحد عبيد الله بن ميمون القداح: وكان جده يهودياً من بيت مجوسي فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت، وادعى أنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم وملك وتغلب، استفحل أمره إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله على بلاد المغرب ومصر والحجاز والشام، واشتدت غربة الإسلام ومحنته ومصيبته بهم، وكانوا يدعون الإلهية ويدعون أن للشريعة باطناً يخالف ظاهرها، وهم ملوك القرامطة الباطنية أعداء الدين، فتستروا بالرفض والانتساب كذباً إلى أهل البيت.
مهدي السنة وصفته:
خروج المهدي من أشراط الساعة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، والمهدي بحسب معتقد أهل السنة والجماعة رجل من أهل بيت النبي صلى الله علبيه وسلم يخرج في آخر الزمان يؤيد الله به الدين "يملك سبع سنين، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قطُّ، تُخْرِج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويعطى المال بغير عدد"(2).
واسمه محمد أو أحمد كاسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه كاسم أبيه، ونسبه من ولد الحسن بن علي، فهو علوي فاطمي حَسَني قُرَشي، وقد وردت له صفتان في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهما: أجلي الجبهة، وأقنى الأنف.
ومن أصح ما ورد في المهدي ما جاء في المنتخب من العلل للخلال، قال: أخبرني محمد بن عمير، ثنا حامد بن يحيى، ثنا سفيان، ثنا عمرو، أخبرني أبو معبد، أنه سمع ابن عباس يقول: "إني لأرجو أن لا تذهب الأيام والليالي، حتى يبعث الله منا أهل البيت غلاماً، لم يلبس الفتنَ ولم تلبَسه الفتن، كما فتح الله بنا هذا الأمر فأرجو أن يختمهُ بنا.. قال أبو معبد -راوي الخبر-: قلتُ لابن عباس: عجزتْ عنها شيوخكم ويرجوها شبابكم؟ قال: إن الله يفعلُ ما يشاءُ، فسمعت محمد بن عمير، يقول: سمعت حامد بن يحيى، قال: قال لي أحمد بن حنبل: سألت عبد الرحمن بن مهدي: أي حديث أصح في المهدي؟ قال: أصحُّ شيءٍ فيه عندي: حديث أبي معبد عن ابن عباس".
إلى جانب ذلك فهناك الكثير من الأحاديث الدالة على خروج المهدي، والتي بلغت في مجملها حد التواتر، يقول الشيخ الألباني رحمه الله: "قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى بمجيء المهدي، وأنه من أهل بيته...وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال... وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى يصلي خلفه(3).
مهدي الشيعة وصفته:
لا يؤمن الشيعة بالسنَّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مدارها على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأصحاب محمد عندهم كذابون, بل كفار مخلدون في النار إلا عدداً قليلاً, بل هم يعتبرون القرآن محرفاً حرفه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وما يتظاهرون بالإيمان به يتلاعبون بمعانيه, وانظر كتب تفاسيرهم للقرآن ترى العجب العجاب(4)، لذلك فقد ضربوا بأحاديث أهل السنة الواردة في المهدي عرض الحائط، ولم يعملوا بها، وإنما استندوا إلى ما صح من طريقهم فحسب.
وعقيدة المهدي من أبرز عقائد الشيعة والتي تكاد تمتلئ بها كتبهم؛ وهو عندهم محمد بن الحسن العسكري، وهو الإمام الثاني عشر عندهم، وهم يطلقون عليه الحجة كما يطلقون عليه القائم، ويزعمون أنه ولد سنة (255هـ)، واختفى في سرداب "سُرَّ من رأى" سنة (265هـ)، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان لينتقم لهم من أعدائهم, ولا يزال الشيعة يزورونه بسرداب "سُر من رأى" ويدعونه للخروج.
وقد صاحبت عقيدة المهدي المنتظر عند الشيعة خرافات وعقائد منحرفة خطرة، وقد استعرت فكرة خروجه في زماننا هذا عند الشيعة، فقد بدءوا يستعدون لخروجه القريب -زعموا- ويتحدثون عن رؤيته في بعض المسيرات الشيعية, وتعددت تلك الرؤى، وزعموا أنهم استطاعوا التقاط صورة له(5).
موت الحسن وحيرة أهل التشيع:
فوجئ الشيعة سنة (260هـ)، بوفاة الحسن العسكري -وهو الإمام الحادي عشر عندهم- عقيماً فافترقوا في هذا وتحيروا حتى بلغت فرق شيعة الحسن العسكري أربع عشرة فرقة كما يقول النوبختي، أو خمس عشرة فرقة كما يقول القمي.. وساد الشك أوساط الشيعة، وغلبت عليهم الحيرة، ذلك أنهم قد قالوا لأتباعهم: إن الإمامة هي أصل الدين وأساسه، حتى جاء في نصوص الكافي -أصح كتاب عندهم في الحديث والرواية- "أنها أعظم أركان الإسلام"، و"أنها أهم من النبوة".
ولكي يخرج علماء الشيعة من هذا المأزق قالوا لأتباعهم: "إن الحسن بن علي حي لم يمت، وإنما غاب، وهو القائم، ولا يجوز أن يموت، ولا ولد له ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام".
وذهبت فرقة أخرى إلى الاعتراف بموته، ولكنها قالت: "بأنه حي بعد موته وهو غائب الآن وسيظهر"، بينما فرق أخرى حاولت أن تنقل الإمامة من الحسن إلى أخيه جعفر، وأخرى أبطلت إمامة الحسن بموته عقيماً، وطائفـة أخـرى -وهم المسمون بالشيعة اليوم- زعموا بأن للحسن العسكري ولداً: "وكان قد أخفى –أي: الحسن- مولده، وستر أمره؛ لصعوبة الوقت، وشدة طلب السلطان له... فلم يظهر ولده في حياته، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته"، وهذا الولد المزعوم، والذي يقول التاريخ بأنه لا حقيقة له، هو الذي يزعم آيات الشيعة أنهم نوابه(6).
علاقة مهدي الشيعة باليهود:
الناظر في كثير من روايات الشيعة يجد أن لمهديهم سمات يهودية، ويجد تشابهاً كبيراً بين مهدي الشيعة ومسيخ اليهود، فمن هذه السمات أن مهدي الشيعة يحكم بشريعة داود، فقد روى الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود ولا يُسأل بيّنة، يعطي كل نفس حقها)(7).
ومن هذه السمات أنه يتكلم العبرانية، فقد روى في كتاب (الغيبة) للنعماني: (إذا أذَن الإمام دعا الله باسمه العبراني (فانتخب) له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر كقزع الخريف، منهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد فراشه ليلاً فيصبح بمكة، ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهاراً يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه..)(8).
ومن هذه السمات أن اليهود سيكونون من أتباع مهدي الشيعة، فقد روى الشَيخ المفيد في الإرشاد، عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله قال: (يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً من قوم موسى، وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسليمان وأبو دجـانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا)(9)، إلى غير ذلك من السمات.
________________
(1) ملخصاً عن المنار المنيف لشيخ الإسلام ابن القيم الجوزية: (ص:148-155).
(2) أشراط الساعة ليوسف الوابل: (249).
(3) السلسلة الصحيحة (5/371).
(4) المهدي بين أهل السُنَّة والروافض - للشيخ ربيع بن هادي بن عمير المدخلي.
(5) حقيقة المهدي المنتظر عند الشيعة - جمعه ورتبه: أبو عبد الرحمن الغريب.
(6) المرجع السابق - بتصرف.
(7) الحجة من الأصول للكليني: (1/397-398).
(8) الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: (ص:313).
(9) الإرشاد للمفيد الطوسي: (ص:402).
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث
 

العشر الأواخر من رمضان


 
 

   ما تبقى من ليال أفضل مما مضى، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها. وفي رواية مسلم: (كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره) وهذا يدل على أهمية وفضل هذه العشر من وجوه:
أحدها: إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر شد المئزر، وهذا قيل إنه كناية عن الجد والتشمير في العبادة، وقيل: كناية عن ترك النساء والاشتغال بهن.
وثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم يحي فيها الليل بالذكر والصلاة وقراءة القرآن وسائر القربات.
وثالثها: أنه يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر حرصاً على اغتنام هذه الأوقات الفاضلة.
ورابعها: أنه كان يجتهد فيها بالعبادة والطاعة أكثر مما يجتهد فيما سواها من ليالي الشهر.
وعليه فاغتنم بقية شهرك فيما يقرِّبك إلى ربك، وبالتزوُّد لآخرتك من خلال قيامك بما يلي:
    1/ الحرص على إحياء هذه الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والقراءة وسائر القربات والطاعات، وإيقاظ الأهل ليقوموا بذلك كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل.
    قال الثوري: أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك.
    وليحرص على أن يصلي القيام مع الإمام حتى ينصرف ليحصل له قيام ليلة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) رواه أهل السنن وقال الترمذي: حسن صحيح.
    2/ اجتهد في تحري ليلة القدر في هذه العشر فقد قال الله تعالى:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر:3]. ومقدارها بالسنين ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر. قال النخعي: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر. وقال صلى الله عليه وسلم (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر ما تقدم من ذنبه) متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم [إيماناً] أي إيماناً بالله وتصديقاً بما رتب على قيامها من الثواب. و[احتساباً] للأجر والثواب وهذه الليلة في العشر الأواخر كما قال النبي  صلى الله عليه وسلم (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) متفق عليه. وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) رواه البخاري. وهي في السبع الأواخر أقرب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أوعجز فلا يغلبن على السبع البواقي) رواه مسلم. وأقرب السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (والله إني لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين) رواه مسلم.
    وهذه الليلة لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام بل تنتقل في الليالي تبعاً لمشيئة الله وحكمته.
    قال ابن حجر عقب حكايته الأقوال في ليلة القدر: وأرجحها كلها أنها في وتر من العشر الأواخر وأنها تنتقل.. ا.هـ. قال العلماء: الحكمة في إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها...ا.هـ وعليه فاجتهد في قيام هذه العشر جميعاً وكثرة الأعمال الصالحة فيها وستظفر بها يقيناً بإذن الله عز وجل.
    والأجر المرتب على قيامها حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر.
    3/ احرص على الاعتكاف في هذه العشر. والاعتكاف: لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله تعالى. وهو من الأمور المشروعة. وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله أزواجه من بعده، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله -عز وجل- ثم اعتكف أزواجه من بعده) ولما ترك الاعتكاف مرة في رمضان اعتكف في العشر الأول من شوال، كما في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين.
     قال الإمام أحمد –رحمه الله-: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن الاعتكاف مسنون.
    والأفضل اعتكاف العشر جميعاً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل لكن لو اعتكف يوماً أو أقل أو أكثر جاز. قال في الإنصاف: أقله إذا كان تطوعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمى به معتكفاً لابثاً. وقال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم.
    وينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والاستغفار والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يحاسب نفسه، وينظر فيما قدم لآخرته، وأن يجتنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا، ويقلل من الخلطة بالخلق. قال ابن رجب: ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس، حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن، بل الأفضل له الانفراد بنفسه والتخلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه، وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية.. ا.هـ.
نقلا من موقع الشيخ العريفي

تلاوات مؤثرة جدا


الأحد، 29 يوليو 2012

أوزان الأفعال الجزء السابع



الرباعي المجرد

للرُّباعيّ المجرَّدِ وزنٌ واحدٌ، وهو "فَعْللَ" كدَحرجَ.
(ويكون متعدياً غالباً، نحو "دحرجت الحجرَ، وزلزلت البناء". وقد يكون لازماً، نحو "حصحص الحقّ" أي بان وظهر، وبرهم الرجل أي أدام النظر. والبرهمة سكون النظر وادامته) .

الرباعي المنحوت

وقد يصاغُ هذا الوزنُ بالنَّحت من مركَّبٍ لاختصار الكلام، كقولهم "عقربتُ الصُّدغَ" (أي لويته كالعقرب) ، وفلفلتُ الطعامَ" (إذا وضعتُ فيه الفُلفل) ، و"نرجستُ الدواءَ" (إذا وضعتُ فيه النرجس) ، و"عصفرتُ الثوب" (إذا صبغته بالعُصفر) ، و"بسلمتُ وحمدلتُ وحَوْقلتُ وحسبلتُ وسَبحَلتُ وجعفلتُ" (إذا قلت بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبي الله، وسبحان الله، وجعلني الله فداءَك) .
ويُسمى هذا الصنيعُ (النَّحتَ) ، وهو أن تختصرَ من كلمتين فأكثر كلمةً مواحدة. ولا يُشترط فيها حفظُ الكلمات بتمامها، ولا الأخذ من كل الكلمات، ولا موافقة الحركاتِ والسكنات، على الصحيح، كما يُعلم من شواهد ذلك. لكنه يشترط فيها اعتبار ترتيب الحروف.
والنحتُ، على كثرته، في لغتنا، غيرُ قياسي، كما هو مذهب الجمهور. ومن المحققين من جعله قياسياً، فكلُّ ما أمكنك فيه الاختصارُ، جاز نحتُه. والعصرُ الحاضرُ يحملنا على تجويز ذلك والتوسعَ فيه.
ومن المسموع أيضاً "سمعلَ وطَلْبَقَ" (إذا قال السلام عليكم، وأطال الله بقاءك) . ومنه "بَعْثَرَ" (أي بعثَ وأثار) . قال الزمخشريُّ في قوله تعالى {وإذا القبورُ بُعثِرَتْ} هو منحوتٌ من "بُعِثَ وأُثير ترابُها".

وملحقاته سبعة:
الأول: فعْلَلَ، كجلبَبَه: أى ألبسه الجلباب.
الثانى: فوْعل، كجوربه: أى ألبسه الجَوْرب.
الثالث: فعْوَل كرَهْوك في مِشيته: أي أسرع.
الر ابع: فَيْعَل كبَيْطَر، أى أصلح الدواب.
الخامس: فعْيَلَ، كشَرْيفَ الزرعَ. قطع شِرْيَافُه.
السادس: فعْلى، كسَلقَى: إذا استلقى على ظهره.
السابع: فعنَلَ كقلنسه: ألبسه القلنسوة.
وإنما كانت ملحقة بدحرج، لان مصدرها ومصدره متحدان في الوزن. فمصدر فعلل "الفعللة"، ومصدر فعول "الفعولة" ومصدر فوعل "الفوعلة"


تحقيق في معنى الالحاق
الإلحاق أن يزاد على أحرفِ كلمةٍ، لتوازن كلمةً أخرى. وشرط الإلحاق في الأفعال اتحاد مصدري الملحق والملحق به، كما ترى في هذه الأفعال.
والإلحاق لا يكون في أول الكلمة. وإنما يكون في وسطها، كالنون من "شنْتر"، أو في آخرهاكالألف المنقلبة عن الياءِ في "سلْقى" ولذلك لم يكن نحو "تمنطق وتمسكن وتمدرع وتمندل وتمذهب وتمشيخ" مُلحقاً بتدحرج، لأنَّ الميم ليست زائدةً بين أصول الكلمة. ومع هذا فليست زيادتها لقصد الإلحاق، لأن هذه الأفعال مبنيةٌ على "المنطقة والمسكين والمدْرعة والمنديلُ والمذْهب والمشيخة"، فهي على زنة "تدحرج" أَصالة لا إلحاقاً، باعتبار أن الميم كالأصل توهماً. فقد توهموا أصالة الميم في هذه الأسماءِ فبنوا الفعل عليها. فوزنها "تفعللَ" لا "تمفعلَ" هذا هو الحقُّ الذي عليه المحققون من العلماء.
واعلم أنّ ما كان من الكلمات ملحقاً بغيره في الوزن لا يجري عليه إِدغامٌ ولا إِعلالٌ، وإن كان مستحقَّهما، كيلا يفوت بهما الوزن.
وهذا من علامات الإلحاق أيضاً. فمثلُ شمللَ واقعندَدَ مُستحقٌّ للإدغام، لأن فيه حرفينِ مُتجانسينِ مُتجاورينِ. ومثلُ "جَهْوَرَ" مستحقٌّ للإعلال بقلبِ الواو ألفاً. لكنه لم يجرِ على ما ذكر إدغامٌ ولا إِعلال، لما ذكرنا. وإنما أعِلَّ نحو "سلقى" لإنَّ الإعلال جرى على آخر الكلمة، وذلك لا يفوتُ به الوزنُ، لأنَّ الآخر يُصبحُ ساكناً، فيكون كالموقوف عليه بالسكون. والوقفُ على آخر الكلمة بإسكانه لا يفوت به وزنها.

أوزان الرباعيِّ المَزِيد فيه وملحقاته

ينقسم الرباعي المزيد إلى قسمين: ما زيد فيه حرف واحد، وما زيد فيه حرفان،

 فالذى زيد فيه حرف واحد، وزن واحد،
وهو تفَعللَ كتدحرجَ. 

والذى زيد فيه حرفان وزنان:
الأول: افعنلَلَ، كاحرنجم.
والثاني: افعلَلَّ، كاقشعرّ، واطمأنَّ.

والملحق بما زيد فيه حرف واحد يأتى على ستة أوزان:
الأول: تفعلَلَ، كتجلبَب.
الثانى: تفعولَ، كترهوكَ.
الثالث: تُفَيْعَل، كتشيطَنَ.
الرابع: تَفَوْعَل، كتجوربَ.
الخامس: تَمَفْعَل، كتمسكنَ.
السادس: تفَعَلَى، كتسلقى.

والملحق بما زيد فيه حرفان، وزنان:
الأول: افعنلَلَ، كاقعنسَسَ.
والثانى: افعنلَى، كاسلنقى.
والفرق بين وزْنَي احرنجم واقعنسس، أن اقْعَنْسَسَ إحدى لامه زائدة للإلحاق، بخلاف احرنجم، فإنهما فيه أصليتان.


المصادر والمراجع لسلسلة أوزان الأفعال السبعة


  1. جامع الدروس العربية
  2. شذا العرف في فن الصرف
  3. المفتاح في الصرف
  4. الممتع
  5. شرح الشافية 



أوزان الأفعال الجزء السادس


معانى صيغ الزوائد
1- أفْعَلَ
تأتى لعدَّة معان:
الأول: التَّعدية، وهي تصيير اللازم متعدياً إلى مفعول واحد ، كأقمتُ زيداً، وأقعدتُه، وأقرأته. الأصل: قام زيد وقعد وقرأ، فإذا كان الفعل لازمًا صار بها متعديًا لواحد، وإذا كان متعدياً لواحد صار بها متعدياً لاثنين وإذا كان متعديًا لاثنين، صار بها متعديًا لثلاثة. ولم يُوجد في اللغة ما هو متعد لاثنين، صار بالهمزة متعديًا لثلاثة، إلاّ رَأى وَعَلِم، كرأى وعلم زيدٌ بكراً قائمًا، تقول: أريتُ أو أعلمتُ زيدًا بكرًا قائمًا.
الثاني: صيروة شيءٍ ذا شيءٍ، كألبنَ الرجلُ وأتمَر وأفلسَ: صار ذا لبَن وتمْر وفُلُوس.
الثالث: الدخول في شيء، مكانًا كان أو زمانًا، كأشأم وأعرقَ وأصبحَ وأمسى، أى دخل فى الشأم، والعراق، والصباح، والمساء.
الرابع: السَّلْب والإزالة، كأقذيتُ عينَ فلان، وأعجمتُ الكتابَ: أى أزلتُ القذَى عن عينه، وأزلت عجمةَ الكتاب بنقطِه.
الخامس: مصادفة الشيء على صفة، كأحمدتُ زيدًا: وأكرمتُه، وأبخلتُه، أي صادفته محمودًا، أو كريمًا، أو بخيلاً.
السادس: الاستحقاق، كأحصَدَ الزرع، وأزْوَجَتْ هند، أى استحق الزرع الحَصاد، وهند الزَّواج.
السابع: التعريض، كأرهنت المتاع وأبَعْتُهُ: أى عرّضته للرهن والبيع.
الثامن: أن يكون استفعل، كأعظمته: أى استعظمته.
التاسع: أن يكون مطاوعًا لفعّل بالتشديد، نحو: فطَّرته فأفطر وبشَّرته فأبشر.
العاشر: التمكين، كأحفرته النهرَ: أى مكنته من حَفْره.

ملاحظة :
ربما ورد بمعنى أصله كسرى وأسرى أوأغنى عن أصله لعدم وروده، كأفلح: أي فاز. وندر مجيء الفعل متعديًا بلا همزة، ولازمًا بها، كَنَسلْتُ ريشَ الطائر، وأنسلَ الريشُ، وعرَضْتُ الشيء: أظهرته، وأعرض الشيءُ: ظهر، وكَبْبتُ زيدًا على وجهه، وأكبَّ زيد على وجهه، وقَشَعتِ الريحُ السحاب، وأقشعَ السحابُ قال الشاعر:
كما أبْرَقَت قوْمًا عِطاشًا غَمامةٌ ... فلما رأوها أقْشَعَتْ وَتَجلَّتْ وتَجلَّتِ

2 فَعَّلَ
يكثر استعمالها فى ثمانيةٍ معانٍ، تُشارك أفْعَلَ فى اثنين منها، وَهُما التعدية، كقوَّمت زيدا وقعَّدته، والإزالة كجَرَّبتُ البعيرَ وقشَّرْتُ الفاكهة، أى أزلت جَرَبَه، وأزلت قشره.
وتنفرد بستة:
أولها: التكثير فى الفعل، كجوَّل، وطوَّف: أكثر الجَوَلان والطَّوفان، أو في المفعول، كغلَّقَتِ الأبواب، أو فى الفاعل، كموّتَتِ الإبلُ وبرَّكَتْ.
وثانيها: صيروة شيءٍ شبه شيءٍ، كقوَّس زيدٌ وحجَّر الطين: أى صار شبه القوس في الانحناء، والحجر في الجمود.
وثالثهما: نسبة الشيء إلي أصل الفعل، كفسَّقْت زبدًا، أو كفَّرته: نسبته إلى الفسق، أو الكفر.
ورابعها: التوجه إلى الشيء، كشرَّقتُ، أو غرَّبتُ : توجهت إلى الشرق، أو الغرب.
وخامسها: اختصار حكاية الشيء، كهلَّل وسبَّح ولَبَّى وأمَّن: إذا قال لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولَبّيْك، وآمين.
وسادسها قبول الشيء، كشفَّعت زيدًا: قبلت شفاعته.
وربما ورد بمعنى أصله، أو بمعنى تفعَّل، كولَّى وتولَّى وفكَّر وتفكَّر، وربما أغنى عن أصله لعدم وروده، كغيره إذا عابه، وعجّزت المرأة: بلغت السن العالية.

3 فَاعَلَ
يكثر استعماله في معنين، أحدهما: التشارُك بين اثنين فأكثر، وهو أن يفعل أحدهما بصاحبه فعلاً، فيقابله الآخر بمثله، فإذا كان أصل الفعل لازمًا صار بهذه الصيغة متعديًا، نحو ماشيته، والأصل مَشَيْت ومشى. وفى هذه الصيغة معنى المغالبة، ويُدَلُّ على غَلبَة أحدهما، بصيغة فَعَل من باب نَصرَ مالم يكن وَاوِىَّ الفاء، أو يائىّ العين أو اللام، فإِنه يَدُلُّ على الغلبة من باب ضرَب كما تقدم، ومتى كان فاعل للدلالة على الغلبة كان معتديًا، وإن كان أصله لازمًا، وكان من باب نصر أو ضرب على ما تقدم من أىّ باب كان.
وثانيهما: المُوالاة، فيكون بمعنى أفعل المتعدي، كواليت الصوم وتابعته، بمعنى أوليتُ، وأتبعتُ، بعضَه بعضًا.
وربما كان بمعنى فعَّل المضعف للتكثير، كضاعفت الشيء وضعَّفته، وبمعنى فَعَلَ، كدافع ودَفع، وسافر وسفَر، وربما كانت المفاعلة بتنزيل غير الفعل منزلته، كيُخادعون الله، جعلت معاملتهم لله بما انطوت عليه نفوسهم من إخفاء الكفر، وإظهار الإسلام، ومجازاته لهم، مخادعة.

ملاحظة :
  ومعاني هذه الأبواب غير التعدية والتكثير والمشاركة قلما تنضبط. وانما تفهم من قرينة الكلام.

4- انْفَعَلَ
يأتى لمعنى واحد، وهو المطاوعة، ولهذا لا يكون إلا لازمًا،ولا يكون مجرده إلا متعدياً ولا يكون إلا فى الأفعال العِلاجية. ويأتى لمطاوعة الثلاثى كثيراً، كقطعته فانقطع، وكسرته فانكسر؛ والمطاوعة غيره قليلا، كأطلقته فانطلق، وعدّلته -بالتضعيف- فانعدل، ولكونه مختصاً بالعِلاجيات، لا يقال: علَّمته فانعلم، ولا فهّمته فانفهم. والمطاوعة: هى قبول تأثير الغير.

5- افْتَعَلَ
اشتهر فى ستة معانٍ:
أحدها: مطاوعة الثلاثىّ كثيرًا، كعَدَلته فاعتدل، وجمَعته فاجتمع.
وثانيها: الاجتهاد والطلب، كاكتسب، واكتتب، أى اجتهد وطلب الكسب والكتابة.
وثالثها: التشارك، كاختصم زيد وعمرو: اختلفا.
ورابعها: الإظهار، كاعتذار واعتظم، أى أظهر العُذر، والعَظَمة.
وخامسها: المبالغة فى معنى الفعل، كاقتدر وارتدّ، أى بالغ فى القدرة والردَّة.
وسادسها: الاتخاذ، كاختتم زيد، واختدم، اتخذ له خاتمًا، وخادمًا.
وربما أتى مطاوعًا للمضعَّف ومهموز الثلاثى، كقرَّبته فاقترب، وأنصفته فانتصف.
وقد يجيء بمعنى أصله، لعدم وروده، كارتجل الخطبة، واشتمل الثوب.

6- افْعلَّ
يأتى غالبًا لمعنى واحد، وهو قوة اللون أو العيب، ولا يكون إلا لازمًا، كاحمرَّ وابيضَّ واعورّ واعمشّ: قويت حمرته وبياضُه وعَوَرُه وعَمَشُه.

7- تَفَعَّل
تأتى لخمسة معان:
أولها: مطاوعة فعَّل مضعف العين، كنَّبهته فتنَّبه. وكسَّرته فتكَسّر.
وثانيها: الاتخاذ، كتوسّد ثوبه: اتخذه وسادة.
وثالثها: التكلف، كتصبّر وتحلّم: تكلَّف الصبر والحلم. وقد يكون التكلف ممزوجاً بإِدعاء شيء ليس من شأن المدعي. نحو تكبر وتعظم وتسرّى، أي تكلف مظاهر الكبرياء والعظماء والسراة. 
ورابعها: التجنُّب كتحرّج وتهجّد : تجنب الحَرَج والهُجود، أى النوم.
وخامسها: التدريج، كتجرّعت الماء، وتحفَّزت العلم: أى شربت الماء جرْعة بعد أخرى، وحفظت العلم مسألة بعد أخرى؛ وربما أغنت هذه الصيغة عن الثلاثىّ، لعدم وروده، كتكلّمَ وتَصدَّى.

8- تَفَاعَلَ
اشتهرت فى أربعة معان:
أولها: التشريك بين اثنين فأكثر، كل منهما فاعلاً فى اللفظ، مفعولاً فى المعنى، بخلاف فاعَلَ المتقدم، ولذلك إذا كان فاعَلَ المتقدم متعديًا لاثنين، صار بهذه الصيغة متعديًا لواحد، كجاذب زيد عَمرًا ثوبًا، وتجاذب زيد وعمرو ثوبًا. وإذا كان متعديًا لواحد صار بها لازمًا، كخاصم زيد عمرا، وتخاصم زيد وعمرو.
ثانيها: التظاهر بالفعل دون حقيقته، كتَنَاوَمَ وتغافل وتعامى: أي أظهر النوم الغفلة والعمى، وهى منتفية عنه، وقال الشاعر:
ليسَ الغَبيُّ بسيِّدٍ فى قومِهِ ... لكنَّ سيِّدَ قوْمِهِ المتغابى
وقال الحريرى:
ولما تعامَى الدهرُ وهو أبو الوَرَى ... عن الرُّشدِ فى أنحائِه ومقاصِدِه
تعاميْتُ حتى قِيلَ إنى أخو عَمى ... ولا غَزْوَ أن يَحْذُو الفتَى حَذْوَ والِده
وثالثهما: حصول الشيء تدريجيًا، كتزايد النيلُ، وتواردت الإبل: أى حصلت الزيادة بالتدريج شيئًا فشيئًا.
ورابعها: مطاوعة فاعَلَ، كباعدته فتباعد.
ملاحظة : 
ومعاني هذه الأفعال غير المطاوعة والمبالغة والتكلف والمشاركة لا تنضبط، وانما يعيّنها المقام.

9- استَفْعَلَ
كثر استعمالها فى ستة معان:
أحدها: الطلب حقيقة، كاستغفرت الله: أى طلبت مغفرته، أو مجازًا كاستخرجت الذهب من المعدن، سُمِّيَتِ الممارسة فى إخراجه، والاجتهاد فى الحصول عليه طلبًا، حيث لا يمكن الطلب الحقيقي.
وثانيها: الصيرورة حقيقة، كاستحجر الطين، واستحضن المُهْرُ: أى صار حَجَرًا وَحِصَانًا، أو مجازًا كما فى المَثَل: إن البُغاثَ بأرْضِنا يَسْتَنْسِرُ.
أى يصير كالنِّسر فى القوة. والبُغاثَ: طائر ضعيف الطيران، ومعناه: إن الضعيف بأرضنا يصير قويًّا، لاستعانته بنا.
وثالثها: اعتقاد صفة الشيء، كاستحسنتُ كذا واستصوبته، أى اعتقدت حسنه وصوابه.
ورابعها: اختصار حكاية الشيء كاسترجع، إذا قال: إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ راجعون.
وخامسها: القوة، كاسْتُهْتِرَ واستكبر: أى قوى هِتْرُه وكِبره.
وسادسها: المصادفة، كاستكرمت زيدًا أو استبخلته: أى صادفته كريمًا أو بخيلاً.
وربما كان بمعنى أفعَلَ، كأجاب واستجاب، ولمطاوعته كأحكمته فاستحكم، وأقمته فاستقام.

ثم إنّ باقى الصيغ تدل على قوة المعنى، زيادة على أصله، فمثلاً اعشوْشَب المكانُ يدل على زيادة عُشْبه أكثر من عَشب، واخشوشَنَ يدلّ على قوة الخشونة أكثر من خَشُن، واحمارَّ يدل على قوة اللون، أكثر من حَمُر واحمرَّ وهكذا.

تنبيه :  
لا يلزم فى كل مجرَّد أن يُستَعمل له مَزِيدٌ، ولا فى كل مَزيد أن يُستعمل له مُجَرَّد، ولا في ما استُعْمِل فيه بعضُ المَزيدات، أن يُستعمل فيه البعضُ الآخر، بل المدار في كل ذلك السَّماع. ويُسْتثنى من ذلك الثلاثيُّ اللازمُ، فَتَطَّرِدُ، زيادةُ الهمزة فى أوله للتعدية، فيقال فى ذهب أذهب، وفى خرج أخرج.

أوزان الأفعال الجزء الخامس


أوزان الثلاثيِّ المزيد فيه

الفعل الثلاثىّ المزيد فيه ثلاثة أقسام: ما زيد فيه حرف واحد، وما زيد فيه حرفان، وما زيد فيه ثلاثة أحرف. فغاية ما يبلغ الفعل بالزيادة ستة؛ بخلاف الاسم، فإنه يبلغ بالزيادة سبعة لِثقل الفعل، وخِفة الاسم، كما سيأتى.

 فالذى زِيد فيه حرف واحد، يأتى على ثلاثة أوزان.
الأول: أفْعَلَ، كأكرم، وأولَى، وأعطى، وأقام، وآتى، وآمن، وأقرّ، وأنجد .
والثاني: فاعَلَ، كطالع وقاتل، وآخذ، ووالى.
الثالث: فَعَّلَ بالتضعيف، كفرَّح، وزكَّى، وَوَلَّى، وبَرَّأ وهنّأ.

والذي زيد فيه حرفان يأتى على خمسة أوزان:
الأول: انفعَلَ، كانكسر، وانشقَّ، وانقاد، وانمحى.
الثانى: افتعلَ، كاجتمع، واشتق، واحتار، وادَّعى، واتَّصل، واتَّقى، واصطبر، واضطرب.
الثالث: افعَل كاحمرَّ، واصفرَّ، واعورَّ. وهذا الوزْن يكون غالبًا فى الألوان والعيوب؛ وندر فى غيرهما، نحو: ارْفَضّ عرَقًا، واخضلَّ الروضُ، ومنه ارْعَوَى.
الرابع: تفعَّل، كتعلَّم وتزكّى، ومنه اذّكر واطَّهَر.
الخامس: تَفاعَلَ كتباعَدَ وتشاوَرَ، ومنه تبارك وتعالى، وكذا اثَّاقل، وادَّاراك.

والذى زيد فيه ثلاثة أحرف يأتى على أربعة أوزان:
الأول: استفعلَ، كاستخرج، واستقام.
الثانى: افْعَوعَلَ، كاغدودَنَ الشعر: إذا طال، واعشوشب المكان: إذا كثر عُشْبه.
الثالث: افْعَالّ كاحمارَ واشهابّ: قَوِيَت حُمرته وشُهْبته.
الرابع: افْعَوَّلَ كاجلوَّد: إذا أسرع، واعلَوَّط: أى تعلق بعنق البعير فركبه.

ملاحظة -
إذا كانت فاء الكلمة تاءً أو دالاً أو ذالاً أو زاياً أو صاداً أو ضاداً أو طاءً أو ظاءً في وزن "تفعَّل" أو تفاعل أو "تفعلل" جاز إدغام التاء في الحرف الذي بعدها وجلب ألف الوصل حتى لا يبدأ بساكن فنقول: "اثّاقل، واذّاكر، وازّيّن، واضّرع، واطّرب، وادّحرج".

أوزان الأفعال الجزء الرابع


تنبيهات

الأول: كل أفعال هذه الأبواب تكون متعدية ولازمة، إلا أفعال الباب الخامس، فلا تكون إلا لازمة. وأما رَحُبَتْك الدارُ فعلى التوسع، والأصل رَحُبَتْ بك الدارُ، والأبواب الثلاثة الأولى تسمى دعائم الأبواب، وهى فى الكثرة على ذلك الترتيب.
الثانى: أن فَعَلَ المفتوحَ العين، إن كان أوَّله همزة أو واوًا، فالغالب أنه من باب ضرب، كأسَر يأسِر، وأتَى يأتِى، ووعد يعِد، ووزَن يزِن، ومن غير الغالب: أخَذوا أكَل ووَهَل. وإن كان مُضاعفاً فالغالب أنه من باب نصر، إن كان متعدّيا، كَمَدّه يَمُدُّه،
وصدّه يصُدُّه. ومن باب ضرب، إن كان لازما، كَخفَّ يَخفُّ، وشذّ يشِذ، بالذال المعجمة.
الثالث: مما تقدم من الأمثلة تعلم:
1- أن المضاعَف يجيء من ثلاثة أبواب: من باب نَصَر، وضَرَب، وفَرِحَ، نحو سرَّه يسرُّه، وفرَّ يفِرّ، وعضَّهُ يَعضه.
2- ومهموز الفاء يجيء من خمسة أبواب: من باب نصر، وضرب، وفتح، وفرِح، وشرُف، نحو: أخذ يأخُذ، وأسَرَ يأسِر، وأهَب يأهَبُ، وأمِنَ يأمَن، وأسُل يأسُل.
3- ومهموز العين يجيء من أربعة أبواب: من باب ضرب، وفتح، وفرح وشَرُف، نحو: وأى يَئى، وسأل يسأل، وسئِم يسأم، ولَؤُم يَلْؤُم.
4- ومهموز اللام يحيء من خمسة أبواب من باب نصر، وضرب وفتح، وفرح، وشَرُف، نحو: بَرَأ يبرُؤ، وهَنَأ يهنئ، وقرَأ يقرَأ، وصَدِأ يَصْدَأ، وجرُؤ يجرُؤ.
5 والمثال يجيء من خمسة أبواب: من باب ضرب: وفتح، وفرح، وشَرُف، وحسِب؛ نحو: وعَد يعِد، ووهِل يَوْهَل، ووجِل يوجَل، ووسُم يوسُم، وورِث يرِث، وقد ورد من باب نصر لفظة واحدة فى لغة عامرية: وهى وَجَدَ يَجُد قال جرير:
لو شِئْتِ قد نَقَعَ الفؤادُ بشَرْبَةٍ       §      تَدَعُ الصَّوادِي لا يَجُدْنَ غَلِيلًا
رُوي بضم الجيم وكسرها. يقول لمحبوبته: لو شئت قد رُوي الفؤادُ بشربة من ريقك، تترك الصَّوادِي، أى: العِطاش، لا يَجِدن حرارة العطش.
6 والأجوفَ يجيء من ثلاثة أبواب: من باب نَصَر، وضَرَب، وفرِح، نحو: قال يقول، وباع يبيع، وخاف يخاف، وغَيد يَغْيَد، وعَوِر يعوَر،
إلا أنه يشترط فيه أن يكون فى الباب الأول واويّا، وفى الثانى يائيًا، وفى الثالث مطلقًا، وجاء طال يطول فقط من باب شرُف.
7- والناقص يجيء من خمسة أبواب: من باب نصر، وضرب، وفتح، وفرح، وشرف. نحو: دعا، ورمى، وسعَى، ورضيَ، وسرُو. ويشترط فى الناقص من الباب الأول والثانى، ما اشترط فى الأجوف منهما.
8- واللفيف المقرون يجيء من ثلاثة أبواب: من باب ضرب، وفرح، وحسب. نحو: وَفَى يفِي، ووجَى يَوْجِي، وولِيَ يَلِي.
9- واللفيف المقرون يجيء من ضرب، وفرح. نحو: روَى يرْوي، وقوِيَ يَقْوَى، ولم يَرد يائىّ العين واللام إلا فى كلمتين من باب فرح، هما عَيِيَ، وحَيِيَ.
الرابع: الفعل الأجوف، إن كان بالألف فى الماضى، وبالواو فى المضارع، فهو من باب نصر، كقال يقول، ما عدا طال يطول، فإِنه من باب شرُف. وإن كان بالألف فى الماضى وبالياء فى المضارع، فهو من باب ضرع كباع يبيع. وإن كان بالألف أو بالياء أو بالواو فيهما، فهو من باب فرح، كخاف يخاف، وغَيد يُغِيْدُ، وعوِر يَعور.
والناقص إن كان بالألف فى الماضى وبالواو فى المضارع، فهو من نصر، كدعا يدعو. وإن كان بالألف فى الماضى وبالياء فى المضارع، فهو من باب ضرب، كرمى يرمى. وإن كان بالألف فيهما، فهو من باب فتح، كسعَى يسعَى. وإن كان بالواو فيهما، فهو باب شرُف كسرُو يسرُو. وإن كان بالياء فيهما، فهو من باب حسِب كولِي يلِي. وإن كان بالياء فى الماضى وبالأَلف فى المضارع، فهو من باب فرح، كرضِىَ يرضَى.
الخامس: كون الثلاثى على وزن معين من الأَوزان الستة المتقدمة سماعىّ، فلا يعتمد فى معرفتها على قاعدة، غير أنه يمكن تقريبه بمراعاة هذه الضوابط. ويجب فيه مراعاة صورة الماضى والمضارع معًا، لمخالفة صورة المضارع للماضى الواحد كما رأيت، وفى غيره تراعى صورة الماضى فقط، لأن لكل ماض مضارعًا لا تختلف صورته فيه.
السادس: ما بُني من الأفعال للدلالة على الغلبة في المفاخر، فقياس مضارعه ضمُّ عينُه، كَسَابَقَنِى زَيد ٌفسبقتُه، فأنا أسبُقه، ما لم يكن واويَّ الفاء، أو يائىّ العين أو اللام، فقياس مضارعه كسر عينه، كواثبته فَوَثَبْته، فأنا أثِبه وبايعته فبِعته، فأنا أبيعه، وراميته فرمَيْته، فأنا أرمِيه.